الخميس، 30 يناير 2014

الفلسفة السياسية بين هوبز و لوك

الفلسفة السياسية بين هوبز و لوك

توماس هوبز هو احد الفلاسفة الانجليز  ،كان من اهم الفلاسفة في القرن السابع عشر ، وهو فيلسوف و متمرس في المجال القانوني ،كان فيلسوف ماديا بامتياز يرى ان تفسير اي شئ يرجع الى الاحساس و جميع الاحاسيس ترجع الى المادة و بتجميع هذه الاحاسيس تتكون الذاكرة و المخيلة و الخيال و( الاحلام في النوم )و من المخيلة ينتج الفهم ،و بنفس المنطق المادي استطاع تفسير الاخلاق ،كما فسر سلوك الانسان على اساس انه حركات الية  فهو لا يرى في الانسان اكثر من كونه الة ، اشتهر هوبز بفلسفته المثيرة للجدل و بمناصرته لحق الملكية المطلقة  ، فقد تاثر هوبز بفكرة الحكم المطلق التي ظهرت بعد هدم النظام الاقطاعي الذي ساد اوروبا في العصور الوسطى ، يرى هوبز ان الناس ولدوا جميعا احرار متساوين في الحقوق و في كل شئ و لما كانت الغريزة الانسانية ترى ان الانسان يحب السيطرة على الاخرين فقد نشأ في الزمان السحيق النزاعات بين الافراد ،و اطلق على هذه الحالة( حرب الجميع ضد الجميع) و اتسمت هذه الحالة بانعدام التعاون بين البشر و من هنا يستخلص هوبز قاونينه الثلاثة .
قانون هوبز الاول في الحياة الانسانية و هو "" البحث عن السلام"" فحين يشتد الصراع بين البشر لن يجدوا مفر من التوقف عن النزاع و اعلان السلام . و القانون الثاني هو"" تنازل جميع افراد المجتمع عن حقوقهم لصالح السلطة عن طريق عقد اجتماعي التي يعينوها من اجل حفظ السلام و الامان في المجتمع"" و يرى ان حرية الافراد بعد ذلك ليست اكثر مما تمنحه هذه السلطة لهم . و القانون الثالث و الاخير هو اتمام التعاقد بين الناس . (اي ان هوبز يرى ان سلطات الحكام المطلق كانت في البدء ملك للشعب و لكنه تنازل عنها للحكام و لن يكون للافراد سوى مقدار الحرية التي يمنحها الحاكم للمحكومين .)
ولكن العقود دون سلطة لا قيمة لها على الاطلاق ، و بالتالي يلزم وجود قوة ضاغطة على جميع المجتمع ذات سيادة تامة تلزم الجميع على تنفيذ العقود حتى لا تخل مجموعة من الافراد بالعقد و يعود المجتمع الى حالة "حرب الجميع ضد الجميع" و هذه السلطة ذات نفوذ مطلق على اي شئ اي كان ما دامت هذه الاجراءات تصب في الصالح العام ،و يرى ان الحالة الوحيدة التي يحق للمواطنين معارضة الحاكم المطلق هو التعدي على روح اي من المواطنين بلا وجه حق، فالجميع يطيعون الحاكم طاعة مطلقة ما لم تمس هذه الطاعة ببقائهم ، لان الحاكم المطلق لا يحق له ان يعتدي على احد المواطنين الذي وكلوه بحماية حياتهم ،و يرى ان الافراد احرار في الاطار الذي مُنح لهم و مالم يعوقوا القوانين التي سُنت فالحرية في منطق هوبز هي "غياب كل مؤثر خارجي يعوق الحركة" . كمان ان هوبز من البديهي ان يعارض السلطة الكنسية فهو لايرى انها لا تعتمد على سلطة زمنية حقيقة بل سلطة روحية فقط .  
يرى هوبز ان نظام الحكم قد يكون :- ملكي او ارستقراطي او ديموقراطي و لكنه يفضل النظام الاول –الملكي- فهو يرى انه مهما كان الحاكم المطلق طاغيا فان طغيانه سيكون اخف وطأة من الحالة الفوضى ، ويضرب هوبز مثلا في ذلك و هو الحرب الاهلية في بريطانيا التي نشات بسبب تنازع الملك و مجلس العموم و مجلس اللوردات و نجد ان في هذا المنطق تشابها كبيرا بينه و بين منطق شيوخ الاسلاميين في مقولتهم ""الحاكم الجائر افضل من الفتنة "".. فهل كان هوبز سلفيا ؟!
خلاصة منطق هوبز و فلسفته انه
*"المجتمع عدد من الناس يتفقون على اختيار سلطة تمارس سلطتها على الجميع و يتنازلون عن كل سلطاتهم في مقابل ان توفر هذه السلطة الحماية و الامن ""
 *العقد الذي تنفذه السلطة ليس بين المحكوم و الحاكم بل بين المحكومين و بعضهم البعض و لهذا لا يحق للمحكومين الثورة على الحاكم اطلاقا
*الحاكم المطلق له صلاحيات شبه الهية فهو يعين الوزراء و القضاة و يراقب التشريعات و يتدخل في الامور الدينية و يلزم على الكنيسة طاعته ، كان يُقال "دع ما للقيصر للقصير و دع ما لله لله" و لكن هوبز كان يقول( دع ما للقيصر للقيصر و ما لله للقيصر ايضا ).
نقد هوبز :-
تناسى هوبز ان السلطة المطلقة و استبداد الدولة ان لم يحده خوف من الجماهير فان السلطة ستفسد وتُفسد الحياة العامة ،و تورط ايضا في نظريته الي تقول ان الصالح العام للوطن هو الصالح العام للحاكم فهو لم ينتبه ان مصلحة الحاكم في اغلب الاوقات تنافي مصلحة المحكوم خصيصا ان لم توجد قوانين تلزم هذا الحاكم ، صحيح ان مصلحة الحاكم و المحكوم قد تتفقان ولكن هذا استثناء مثل اوقات الحروب اما اوقات السلم فان الطبقات في المجتمع تخوض حروبا اخرى بشكل اخر تحت مسمى "الصراع الطبقي" (الذي ولاه ماركس جل اهتمامه ) ،يرجح الكثيرين ان خوف هوبز من السقوط في غياهب الفوضى، متعظا من الاضرابات السياسية التي كانت تمر بها اوربا انذاك ، كان السبب الرئيسي في تفضيله الحكم المطلق الذي يتحول بكل سهولة الى حكم جائر ..
اتى بعد هوبز عدد من الفلاسفة الذين اشتغلوا بالفلسفة السياسية و لكنهم كانوا على النقيض من افكاره ، ومن اشهرهم –جون لوك- الاب الروحي لليبرالية و الراسمالية على حد سواء ، كان لوك فيلسوب تجريبي بريطاني ايضا ،يعتبر اهم ممثل للاتجاه التجريبي في القرن السابع عشر و خلص ان تجربة الحسية هي أساس كل معرفة و الاحساس هو الاصل في كل شئ و له مقولة شهيرة عن ذلك وهي"" إذا سألك سائل:متى بدأت تفكر؟فيجب أن تكون الإجابة:عندما بدأت أحس" ، يرفض لوك مثله مثل كل التجريبين القول بان هناك حقيقة مطلقة فلوك يرى ان الحقيقة تختلف بتعدد وجهات النظر وتعدد الظروف و اختلافها او كما يقول برتراند راسل "الفيلسوف الحق لا ينبغي ان يقول هذا حق بل يقول في مثل هذه الظروف يبدو لي ان هذا الراي اصح من غيره" .
و من البديهي ان ان يعارض هوبز في موضوع الحكم المطلق بل عارض ايضا السير روبرت فيلمر في كتابه الشهير الحكومة المدنية ، يرى فيلمر ان السلطة كانت في البدء ملك الرب ثم وهبها الى ادم ومن ادم الى ابنائه و استمرت في التوراث حتى وصلت الى الملوك و من هنا فان حكم الملوك هو حكم الهي و ان حق الملك على شعبه كمثل حق الاب على ابنائه ولكن لوك رد على فيلمر ساخر ان ابناء ادم كثيرين و انه من المستحيل اثبات نسب الوريث الشرعي .
يعتبر لوك الاب الروحي للدفاع عن الحريات السياسية و الاقتصادية ويرى ان مهمة الدولة تتلخص في كذلك ان تحمي الافراد و تحمي (الملكية الخاصة) لهم . و من هنا يعلن لوك انتهاء الحقبة الزمنية التي امتدت من الرومان و اليونان بتقديس الدولة و تقديمها على الفرد ، ليقدس لوك الفرد وحريته الشخصية وملكيته الشخصية .بحث لوك في اصل الاشياء ووجد انه لكل قانون وضعي مستشق من قانون طبيعي و اذا تعارض الاول مع الثاني فان الاول يسقط و لا يكون له سند و لا يمكن الاعتماد عليه . و من هنا وضع اسس قانونه الطبيعي و كانت اسسه على النحو التالي :-
*الناس يولدون احرار متساوين في حقوقهم وواجبتهم .
*يحكم البشر هؤلاء الصوت الالهي اي ان البشر سيعيشون في حالة تسمى ب (الحالة الطبيعية),
*و الحالة الطبيعية للبشر تجبر الجميع على احترام بعضهم البعض .
*يرى لوك ان الرب قد خلق البشر من اجل العيش بسلام و مساعدة بعضهم البعض مثلما قد خلق حيوانات لخدمة البشر .
 ((ومن هنا يتعارض لوك مع هوبز فان الاول يرى ان البشر مخلوقين للعيش مع بعضهم لبعض في سلام و هكذا هي فطرتهم و ليس مثلما يرى هوبز ان البشر سيعشون في فوضى .)).
*الحالة الطبيعية عند لوك ان هناك سلطة لفرد او مجموعة افراد تكون لها سلطة على البقية ولكن هذه السلطة لن تكون مطلقة ، وهنا ايضا يبرز التعارض مع منطق هوبز ,
*يرى لوك ان الافراد لا يتنازلون عن حريتهم للحاكم كليا-مختلفا مع لوك ايضا في هذه النقطة- بل فقط بمقدار يسمح له بحماية الجميع و اقامة العدل بينهم .
*يرى لوك ان اكبر جريمة هي ان يعتدي احد على القانون الطبيعي فهذا تهديد صريح للجنس البشري .
*الهدف الاساسي من اجتماع الناس و انتظامهم في مجتمعات و تنازلهم عن جزء من حريتهم هو الحفاظ على ممتلكاتهم و ارواحهم ، فمثلا لو فرضنا ان هناك شخصان الاول منتج و الثاني غير منتج ، غالبا الثاني سيتعدى ع الاول و يعيش متطفلا عليه مما يؤدي لان يتنازل الاول عن جزء من حريته للسلطة في سبيل حماية نفسه وممتلكاته .
*اشتباك المصالح يظهر ضرورة وجود عقد اجتماعي الا ان هذا العقد يختلف عن عقد هوبز فعقد لوك يكون بين طرفين الاول هو المحكوم و الثاني هو الحاكم ، ومن حق المحكوم ان يقيل الحاكم ما ان اخل بالعقد ومن هنا يبرز الاختلاف بين عقد هوبز الذي كان بين المحوكمين وبعضهم البعض و بين عقد لوك الذي يدخل الحاكم كطرف في العقد .
و كانت ابرز الملاح للعقد الاجتماعي عند لوك هي :-
*الافراد لا يتنازلون عن حريتهم الا بالقدر الذي يسمح للسلطة القيام بدروها فقط .
*الحكام طرف في العقد الاجتماعي .
*الدولة ليست سوى اداة لحماية الحرية الشخصية و الملكية الشخصية
يُلقب لوك بانه الاب الروحي لليبرالية و الراسمالية فهو قد دافع بشدة عن حق( الملكية الخاصة) و يفسر ذلك بالاتي :-
في البدء خلق الرب البشر و كان البشر عددهم قليل و يعيشون على مساحات واسعة جدا من الاراضي ، و بالتالي كانت الارض مشاعية ثم بدأ الانسان يعمل و يجتهد في زراعته فظهرت الملكية الخاصة بشكل واضح هنا ، فبمقدار زراعة الانسان لقطعة الارض صارت ملك له ، فالارض حق لزارعها مثلما هو الغزال حق لصائده ، و يرى لوك ان يدفع الناس لزيادة الاجتهاد و يخلق الطبقية و بخلق الطبقية تنشا المجتمعات و يضطر الانسان للبحث عن الحماية و الامان و من هنا تنشأ السلطة السياسية ، ويتمثل دورها في ضمانة الملكية الخاصة و زيادة الانتاج .
ومما سبق فاننا نرى ان الدولة ليست سوى الة لحماية الملكية الخاصة و بحمايتها فان رؤوس المال تزداد تحت مبدأ دعه يعمل دعه يمر الا ان لوك لم يتخيل هذا التضخم المهول في رؤوس المال الذي ادى الى الثلاثية السوداء –من رأيي - :-
*الاستعمار     * الاحتكار    *الرسامالية الامبريالية
و لكن احقاقا للحق فان ما وصلت اليه الرسمالية اليوم لم يكن ليخطر على بال جون لوك اساسا فهو يقول ايضا :- أن القانون الطبيعي يجيز الملكية الخاصة و يحددها ايضا فيما يعود على عائديها الفائدة ، اي انه لا يسمح بالسيطرة على ما يزيد عن الحد المعقول ,,
اسس لوك نظريته السياسية على اساس فصل السلطات و سبق مونتسيكو في هذا الصدد الا ان الاخير قبل بتعديلها و تشذيبها فقط ، تنص نظرية لوك عن فصل السلطات انه في الدولة توجد 3 سلطات رئيسية قضائية و تنفيذية و تشريعية الا انه اهمل القضائية و دمجها مع التنفيذية ، و شرع سلطة سميت بالسلطة –الفيدرالية- التي تعني باتمام الاتفاقيات و المعاهدات و البحث في العلاقات الخارجية و يرى انه من الصعب عمليا فصل هذه السلطة عن السلطة التنفيذية ,, كما انه يرى ان السلطة التشريعية اعلى السلطات السياسية في الدولة (و لا يبالي كون هذه السلطة تنعقد في ايام و فترات محددة فقط) بل يرى ان من يشرع هو الاهم .كما يرى ان الشعب هو اعلى من اي سلطة و لا يجوز ان تفرض اي سلطة ارداتها عليه تنفيذا للعقد بينهما .و يرى ان السلطة التنفيذية قد تخالف السلطة التشريعية قليلا و هذا ما اسماه قانون التجاوز الا انه اذا ازداد عن حده فهذا يعد امرا غر مقبول و يحول الحاكم الى طاغية ..



ابراهيم مجدي
30/1/2014

الاثنين، 27 يناير 2014

كلاكيت تاني مرة

كلاكيت تاني مرة
                                                                             (1)
*الشمس مشرقة حامية تشع اشعتها و تلقي بها فوق رأس شعره ناعم أملس ، يلعب به الهواء لعبا فيتطاير ، صاحبه ملقى على الارض بين ركام و حطام المنازل ، الوضع من حوله لا يبدو على ما يرام أبدا ، الحطام منتشر في كل مكان حوله و لا يوجد منزل واحد فقط قائم أو مبنى واحد واقف على قدميه ,تهدمت المباني و سقطت المعابد جميعها و مات العبّاد و لم يعد للحياة أي أثر فوق هذه البقعة من سطح المعمورة ، كأن الرب قد أمر اسرافيل بالنفخ في البوق معلنا انتهاء الحياة الدنيا ، ولكن يبدو ان نفخة اسرافيل قد عجزت او ربما تركت متعمدة –لحكمة ما- روح هذا الشاب الملقى الصريع لا يصدر صوتا .
في تلك الاثناء و الجو و الغبار يتطاير بدأ ذاك الفتى يستفيق رويدا رويدا احس باحساس يصعب وصفه ، احس انه حي و ميت ،موجود و فانٍ في نفس الوقت ، احساس كانه في برزخ بين الموت و الحياة و بين الشعور و اللاشعور . بدأت تخف اثار العاصفة تدريجيا  حتى وقفت ، شعر ان هناك منادي ينادي عليه من صميم اعماقه ، صوت داخلي لا تسمعه الاذان بل العقل الباطن وحده قادر على ذلك ، فتح عينيه البنيتن الفاتحتين ، لم يستطع رؤية شئ بل كان الصورة  كمثل شاشة تلفاز قديم ارساله مشوش ،  اخذ انفاسا عميقة بغية ان يتاكد من انه لا يزال على قيد الحياة ، بعدما فشل في تحريك اصابع اطرافه ،  انتابه شعور انه مصاب بالشلل ، لم يبالي باي شئ حتى بشعوره بالشلل ، جل اهتمامه اين هو و ما الذي يفعله هنا ؟ و ما الذي حدث ؟ استمر هكذا في عرض الاسئلة حتى وصل الى سؤال جعل دفعة من ادرينالين تتدفق في دمه ، من أنا ؟ ...
(2)
انه خطاب الزعيم الشعبي يعلن انه لن يسمح لقوات العدو بان تهدد امن الشعب  و ان الشعب كله سيقف ليحمي وطنه و انه ينذر العدو لاخر مرة لتجنيب المنطقة حربا دامية ، و اراقة انهار من الدماء ..
الامين العام لالامم المتحدة يعلن عن عقد اجتماع طارئ للدول الاعضاء لمناقشة الازمة الشرق اوسطية و يعلن ان الوضع متازم ويطالب الدول الكبرى من جانب ان تتوقف عن زيادة النزاع و تجنب حرب عالمية ثالثة .
صحفي بارز في الصحف القومية :- الزعيم المفدى رد الصاع صاعين للعدو و الروس و الصينين سيدعموننا بالسلاح المتطور .
تصريحات للمتحدث الرسمي لوزارة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية يؤكد دعم امريكا المطلق هي و حلفائها لدولة أشلنشس  ضد الزعيم الشعبي لدولة أقلنقس .مؤكدة ان بلاد أقلنفس تدعم الارهاب .
حالة الطوارئ تعلن في أقلنقس و  تماثلها نفس الحالة في اشلنشس  ، بدأت الحرب و ظلت مشتعلة ، اصدرت الامم المتحدة بيانا يلزم الطرفين بوقف اطلاق النار ، ولكن كل من الطرفين أبى ، دخل الطرفين الحرب بمطنق العنجهية و العنترية ، و كان القادة غير مباليين للدماء التي تراق .
روسيا و الصين يتفقان على بعث أجزاء من جيشهما لتساند اقلنقس ، امريكا تشجب وتدين و تحذر من هذا السلوك ، وتؤكد انها لن تسمح للروس و للصينين بدخول منطقة الشرق الاوسط او ان هذا يعد انتهاكا صريحا للاتفاقيات الموقعة بينهما .
روسيا و الصين يلغيان الاتفاقيات الموقعة بينهما من جانب و بين امريكا من جانب و بتبادلان طرد السفراء .
المناضل الغاني (كوزي ماريازا )الذي اخذ جائزة نوبل للسلام  عام 1989 يطالب بالتهدئة و ان العالم لا يحتمل المزيد من الكوارث .
وصول دفعات من جيوش روسيا و الصين الى اقلنقس و امركيا تعلن انها تشن حربا ضد الارهاب وعلى  راعيتاه روسيا و الصين ان يلتزما بالتهدئة ، والا فان الخيار العسكري غير مستبعد .
بريطانيا و فرنسا و عدد من الدول الاوربية تساند امريكا و حلف الناتو يؤكد استعداده لخوض حرب ضد الارهاب .  و روسيا و الصين يعلنان الحرب على امريكا ..
-وطيس الحرب يشتعل و يشتد و اقنقس تستخدم السلاح النووي لاول مرة في تاريخ المنطقة و تضرب اشلنشس و مثيلاتها ترد .
روسيا تنجح في ضرب امريكا باكثر من 10 صواريخ نووية في اماكن مختلفة و متفرقة بها ..

(3)
اعلنت القوات المحلية لمدينة اسقطرس ان المواطنين المدنيين من النساء و العجائز و الاطفال يحق لهم الاحتماء في المدارس بعدما تهدمت العمارات و البيوت ، احتشد كل بضعة الاف من الاهالي بين جدران احدى المدارس في الضاحية الشرقية من المدينة ، كان الوضع قد تردى كثيرا في هذا المعسكر الكبير ، ليس لان رائحة العرق النفاذة قد بدات تفوح بين المعتمصين من الحرب بهذة المدرسة و لا لان المكان قد ازدحم و اخذ يزداد ازداحما حتى صار المتر المربع الواحد يمكث فيه خمس اشخاص و ربما ست حتى ، ولكن لان امدادت الغذاء انقطعت ، كان الجيش قد وعد المحتمين بالمدارس انه سيتولى امر امداداهم بالغذاء ، حينها هتف الجميع له و ذكروه انه الدرع الوحيد و الواقي لاقلنقس الا انه اليوم بعد ان غاب عن المدرسة لمدة تتجاوز اليومين زاد الجوع و العطش .ووسط  كل هذا كانت تمكث فتاة عشرينية بسيطة الحال وحولها ضجيج الاطفال رضع الذين لا يكلون من اعلان تذمرهم من هذا الوضع .لكن بعد انسحاب  قوات الجيش من المدينة و توجهها الي الحدود ، كانت قد بدات تشك في ان الجيش قد يفي بوعده ، اعلنت ذات مرة هذا صراحة قبل يومين ، حينها اسشاطت النسوة غضبا منها ، وصاحوا فيها بانها عديمة الثقة بالله و عديمة الثقة بالجيش الذي يدافع عنها ، كانت طالبة جامعية ،وجهها به مسحة جمال  ربما هي الوحيدة بين كل النساء بجوارها المتعلمة ، كانت تدرك ان الحرب التي تخوضها بلدها  ليست حربا ملزمة و لا حربا مقدسة يجب عليهم خوضها ، بل كان اجباريا عليهم الدخول ارضاءا لرغبات الدول الكبرى ، دون علم هل سيعودون منها على قيد الحياة ، ام ان الموت و عزرائيل في انتظارهم .. 
كان الاسوا في كل ما سلف ذكره انه من المحرم عليهم ان يخرجوا خارج المدرسة و خصيصا ليلا و الا صاروا عرضة للاعتقال بتهمة خرق حظر التجوال الا ان هذا المصير كان اهون من هجوم العصابات التي وجدت فرصتها الذهبية لاقتناص فرائسها ، الفرد السوي  يشعر بالانتماءفي اسوا الاحوال في لحظات يمر بها الوطن بمشكلة ما فما بالنا بالحرب، الا ان المجرم طبيعته النفسية و نشئته الاجتماعية تحرم عليه تذوق هذا الشعور البتة ، فهو ما يلبث ان يجد فرصة لينتقم من المجتمع الذي نشا فيه ولم يوله اهتماما حتى يبادر بتنفيذها رغبة جامحة من الانتقام و للثار ممن ظلموه و رغبة اشد وهجا في رد الصاع صاعين ، لم يكن لاهل هذه المدرسة التي باتت تشبه مستعمرة النحل في كل شئ -الا النظام و الدقة – الا خيار ان يلتقطوا بعض احتياجتهم نهارا ،املين ان يجدوا دكانا لازال فاتحا ابوببه .
(4)
تدهور الوضع اكثر فاكثر ازدادت الغارات اليومية التي يشنها طيران قوات اشلنشس على كل ما يستطيع الوصول اليه ، رغم ان مدينة اسقطرس كانت مدينة لا توصف بانها حدودية الا ان غارات الطائرات قد وصلتها ، كل ما كان يجب فعله على كل الموجودين في المباني ان لا يشعلوا اي ضوء ترصده الطائرات ، الا ان القدر شاء –لحكمة ما لا يعلمها احد غيره – ان لا ينسى بعض العجائز الذين اتخذوا السطح ملجأ لهم لتنفيس عنهم و اشعال قطعة من اكسير الحياة  فالتقطت احدى  الطائرات هذه البقة من الضوء ، و حينها اطلقت عدد من الصواريخ ضد مصدر الضوء ، تحسبا لان يكون موقع عسكري يبادرها هو باطلاق الصواريخ .
تلعب الصدف احيانا دورا هاما في تشكيل حياة كل فرد منا و  لكنها هذه اللية لعبت دورا هاما في انقاذ حياة هذه الفتاة التي اعلنت في نفسها التذمر و فاض بها الكيل لما اشتد بها الجوع ، وتسللت خارج المدرسة لكنها لم تبتعد ،كانت حريصة على ان لا تبتعد كثيرا كي تتجنب مصائد الذئاب البشرية و في نفس الوقت تنجو من جو هذا المعسكر الكئيب ، ضاهدت المدرسة تنفجر بعد صاروخ تلو الاخر و هي منذهلة مندهشة الوضع نفسه لم ياخد اكثر من دقيقتين ، و فجاة القيت قنبلةبجانبها على بعد بضعة امتار طارت في الهواء من شدة التاثير للقنبلة ، واغشي عليها ..
(5)
قام ذاك الفتى الذي لم يكمل عامه العشرين بعد عناء شديد ، قل شعور اللاشعور وبدأ يستعيد جانبا من الواقعية احس ان البرزخ الذي كان فيه بدأ يقل و يقل حتى اختفى فاعتدل في جلسته ، رجّح انه قد يكون ظل على وضعيته السابقة يومين او اكثر ، ظل يجهل من هو ؟ و من اين اتى ؟و ما الذي حدث و جعل كل هذه المباني تتهدم حتى صارت خاوية على عروشها ؟ صرخ باعلى صوته مناديا لاي مخلوق كائن من كان ولكن لا يجيبه الا صوت حفيف الاشجار القليلة المتنثرة و صوت الرياح و احتكاكها بالرمل و الحصى ، احس بدوار شديد رجّح هذا الشعور لاحساسه بالجوع الشديد ، حاول مرار النهوض و الوقوف على قديمه لكنه ما ان نجح حتى فشل من جديد ، خارت قواه و عاد مرة اخرى الى وضعيته السابقة . دون ان يعلم كيف سيتدبر معيشته ؟!
(6)
ظلت مستلقية على الرمل مدة طويلة ربما تقدر بيومين او اكثر حتى ، كانت القنبلة التي انفجرت بجانبها ليست من الطائرات فالطائرات لا تقذف بالقانبل و لكن المرجح ان احد الحراس احس بخطواتها فاخذ احتياطته و القى  عليها القنبلة ، لم تكن قنبلة مميتة باي حال من الاحوال بل كانت مجرد قنبلة تصدر رائحة منومة ، من حسن حها ان ذاك الحارس لم يجدها –هذا اولا – و انها لم تكمل بقية رؤية المجزرة التي حدثت للمدنين العزل .قامت بخطوات متثاقلة ، كانت قد رأت شابا في بداية العشرينات في حلمها يمكث في الضاحية الغربية لمدينة اسقرطس .ثم انقطع الحلم فجاة و ظهر وهو بجانبها على الفراش . لم تدر اي معنى لهذا الحلم . احست بالام في ظهرها و قديمها تتزايد ، احست ان هذه علامة الهية و ان القدر يطلب منها الذهاب اليه ، لقد راته تحت شجرة كبيرة كانت شجرة تفاح ضخمة ، كانت تعلم علم اليقين ان الوصولالى الجهة الغربية يستلزم عناءا شديدا لاسيما بعد حالتها الرثة و الجوع الذي ينخر ما تبقى من قواها ..
بدأت تمشي في الطريق المؤدي لمرادها ، لم تجد سببا واحد يفسر لها اختفاء البشر هكذا من الحياة ، كانت تعلم ان كل القرية قد نزحت الى اماكن مفترقة و ان الباقين قد رحلوا بعدما احتموا بالمدرسة التي دكت ، لكن هذا ليس مبررا على اي حال لان لا تجد انسيا .
قالت في نفسها ،ربما البقية قد هربوا الى قرى اخرى بعد حادث المدرسة المشؤومة ، بدات تتذكر تفاصيل الحادث تكرر المشهد امام عينيها عشرات المرات ، بعض الحوادث لا تصبك بالحزن في حينها ولكن تصيبك بالذهول ثم يكبر الذهول و ينمو حتى يتحول الى حزن كبير ضخم يدفن في قلب المرء ، كانت هذه الحادثة من هذا النوع .. احست بالاسى و الحزن و الحسرة على الاطفال الرضع الذين رحلوا دون ذنب ، لم تتخيل ان تحب هؤلاء الاطفال الذين اصدعوها بالصراخ طوال الليل  و النهار حتى كاد راسها ينفجر ، لم تتخيل ان تشعر بالحزن لتلك المراة المسكينة المسنة التي صاحت فيها يا بانها عديمة الثقة بالله ، لم تتخيل ان ستشعر بالاسى لذاك الطفل الصغير الذي لوثها بنجاسته . لقد تبدلت مشاعرها اتجاه كل من كان في المعسكر الى النقيض تماما ، تناست تلك الاجواء المشحونة و حلت مكانها مشاعر اكثر عطفا و اكثر انسانية. بدات بالمشي مجاهدة نفسها على الوصول للمرادها ، علها تجد شيئا ما قد يفسر سبب اختفاء كل الانس هكذا
(7)
صوت انثوي رقيق او يجاهد ان يظل محتفظا بانوثته يهمس و يزداد همسا و ترجيا ، فتح ذاك الشاب احدى عينيه حتى احس بشعور مفاجئ لقد تبدلت كل مشاعره دفعة واحدة ، احس انه كان في حلم و انه الان استيقظ منه ، لكنه حين نظر حوله وجد كل شئ كما هو الخراب و الدمار في كل مكان ،،  وجد امامه وجه انثوي ،تذكر في تلك اللحظة القصة التي تلقنها في صباه عن ان حواء قد خلقت من ضلع اعوج من ادم . هل هي حواء ؟ و انا ادم ؟ ما هذا الهراء الذي اتفوه به.. هكذا قال في نفسه  
-من أنتِ ؟        
-انا . انا . انا .. لا اعرف .
-و لا انا اعرف من انا ,
هل انت جائع ؟
-اكاد اموت جوعا ، لم اذق الطعام منذ عدة ايام .,
-ساحضر لنا شيئا نتناوله ,,
قامت تلك الفتاة ، بتحضير لقمة ، يلعب القدر دوره مرة اخرى للمرة الاف ، مما يأكد ظنونها انها جُعلت لمهمة ما ، فحين قدومها الي هذا المكان –الضفة الغربية – وجدت الشاب مثلما تخيلته في المنام تماما ، وهو يتظل بظل شجرة التفاح ، كانت الشجرة الوحيدة التي راتها من موضع تحركها حتى وصولها ، حينها قامت تقطف عددا من التفاحات من الشجرة ..
بهت الفتى  حين وجد نفسه نائما تحت هذه الشجرة الضخمة و ثمراتها الناضجة الكبيرة ، كانها قد نزلت من الجنة ، تحامل و بذل كل ما في وسعه كي يقف على قدميه من جديد و طلب من رفيقته في اعداد الطعام ان يساعدها في جمع ثمار التفاح ..
جمعوا عددا من التفاح  ، لم يكونوا في رفاهية تسمح لهم بان يغسلوها بالماء ، لكنهم لم يستمروا هكذا مترفعين عن الماء ، الا قليلا بعدها احسوا بعطش شديد ، تناسوه ، الى حين ان يجدوا مصدر للمياه او تمطر السماء و تكمل جميلها .استمروا هكذا حتى الليل التفا حولقطعتي حطب مشتعلتين يطالبوها بتدفئتهما.
ماذا الذي حدث ؟
لست متاكدة مما قد اقوله لكنه ارجح الاحتمالات عقلانية .
لا عليك فقط اخبريني .
(حكت له ما مر بها منذ حكاية المدرسة و الطائرة ، وكيف نسيهما الجيش دون امدادات ، وكيف تلقت القنبلة ذات الرائحة المنومة ، )
ماذا ؟؟ هل تقصدين انك نجوت من تلك المجزرة حين خرجتي من المدرسة صدفة ؟؟ و انك ضربتي بقنبلة منومة ؟
نعم . اعلم ان...
قاطعها قائلا .. لقد حلمت بفتاة في مثل عمرك تماما حدث لها نفس ما حدث لكِ . انا لا افهم اي شئ على كل حال . لكن تابعي
تبلدت ملامح تلك الفتاة ، حين ادركت ان هذا الفتى حلم بها ، وهي ايضا حلمت به و بنفس قصته ,, تغلبت على جمودها و اكملت حديثها و اخبرته عن  اخر المستجدات على الساحة السياسية التي واظبت على سماعها في راديوها الصغير الخاص بها ، وكيف عن ان الزعيم المفدى قد امر باطلاق صواريخ نووية على اشلنشس ، وكيف ردت اشلنشس بضرب العاصمة بقنابل نووية . ويرجح مقتل كل شعب العاصمة بمن فيهم الزعيم ، وكيف ضربت روسيا امريكا بتلك الصواريخ النووية ، وكيف ردت بريطانيا و فرنسا المدافعتين عن امريكا بصواريخ عابرة للقارات تحمل رؤوس نووية . و كيف تدمر الاسطول اليابني الموالي لامريكا بعد ان دمره سلاح الجو الصيني  و سلاح البحرية الصيني ،  وكم من الملايين الذين سقطوا دفعة واحدة جراء استخدام الاسلحة النووية  ، و لكنها لا تجد تفسيرا وحيدا لاختفاء الحياة فجاة كهكذا الا بتفسير واحد
ما هو ؟
ربما استغرقنا نحن الاثنين في الغيبوبة القصيرة التي تلقيناها فترة طويلة ، ان السماء ملبدة بالغيوم ، و الرياح باردة جدا و لقد كانت الحرب في شهر يونيو .
هل تقصدين اننا ظللنا على قيد الحياة طيلة هذه الاشهر ؟؟؟!!
-ولما لا ؟ لقد ظل اصحاب الكهف نائمون  ثلاثمائة عام و عشرة سنوات .
-نحن لسنا في زمن المعجزات . انا لا اعتقد بان الجميع قد رحلوا . لا يمكن ان يختفي 7 مليارات فجأة هكذا كانهم لم يكونوا .
-اود ان اخبرك شيئا .
-ماذا .
 لقد رايتك في حلم لي لا ادر كيف ؟ و لكن رايتك انت لم ارى ملامح وجهك ولكني رايتك نائما تحت شجرة تفاح ضخمة . كنت اعلم انها في الضفة الغربية من المدينة ، فاتيت اليها ووجدتك على حالك .
-ماذا يعني هذا ؟
لا اعلم .
 للمرة الالف بعد المليون يلعب القدر دوره مرة اخرى و تمطر السماء امطارا غزيرة مليئة بالحياة ، لم يجدا مكان غير الشجر ليحتميا من الامطار استمرت الامطار بالهطول ليلة بكاملها ،حتى امتلات الارض و تشبعت بل وفاضت ايضا .. حينها شعرا بحاجة لان يبنيا مكان يعيشا فيه ، لم يجدا افضل من قمة تلة متوسطة الارتفاع يستطيعا ان يبنبا كوخين متلاصقين عليها ، بدأا بالفعل بعد الظهيرة ببناء الكوخين جمعا الاحطاب بعد بحث مضني عن اشجار استمر بناء هذين الكوخين لمدة تزيد عن الستة ايام و في اليوم السابع جلسا على سرير كل منهما ,,
استمر الحال على ما هو عليه عدة شهور طويلة ، الا ان الاثنين لم يستطيعا ان يمنعا نفسهم ان لا يقعوا في خطية الحب ، التي لطالما حرمت في شرائع ، في يوم ما و على طرف التلة جلسا متجاورين فهم كل منهم الاخر ، و تعاهدا على البقاء معا ، لم يحتاجا لكاهن ليزوجهما او لاناس يهنئونهم و لا لاي شئ اخر سوى بعضهما البعض , رغم ان هذا شئ يبعث للفرحة الا ان شعور الفرحة يتخلله شعور بالاسى لانهم سيكررا نفس الخطا في انجاب بشرية حمقاء ستنجب مغول و تتار و صليبين  ومتعجرفين وحيوانات بشرية و ستنجب هتلر و موسيليني ستنجب اكاسرة و قياصرة و فراعنة يستعبدون البشر من جديد  مرة اخرى هذه البشرية مهما طال عمرها او قصر ستقتل بعضها البعض كالحيوانات او اشد .





تمت  





ابراهيم مجدي